كان رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاه جبريلُ،
وكان يلقاهُ في كل ليلةٍ من رمضانَ فيدارسُه القرآنَ، فرسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودُ بالخيرِ من الريحِ المرسلةِ ، صحيح البخاري
------------------------------------------------
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
------------------------------------------------
الشرح:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس: من الجود اى الكرم ، اى اكرم و اسخى الناس ، فيه احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله " وأجود ما يكون في رمضان " أن الأجودية خاصة منه برمضان فيه فأثبت له الأجودية المطلقة أولا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان
فيدارسُه القرآنَ: اى ان جبريل عليه السلام يقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم القرآن ، و يستعرضه ما أقرأه إياه
أجود بالخير من الريح المرسلة: فيه جواز المبالغة في التشبيه ، وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه ، وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية ، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة ، بل جعله أبلغ في ذلك منها ، لأن الريح قد تسكن . وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضارة ، ومنها المبشرة بالخير ، فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية ، وأشار إلى قوله تعالى : وهو الذي يرسل الرياح بشرا في الأصل " مبشرات " والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك ، فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها ، وكذا كان عمله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ديمة لا ينقطع ، وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي ، لأن الجود من النبي - صلى الله عليه وسلم - حقيقة ومن الريح مجاز ، فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير ، فأنزلها منزلة من جاد
وفي الحديث من الفوائد غير ما سبق تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ، ثم معارضته ما نزل منه فيه ، ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه .
وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات ما لا يحصى ، ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة .
وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير .
وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ، ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ .
وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره ، وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم ؛ لأن الليل مظنة ذلك ؛ لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء ، فيقرأ كل ليلة جزءا في جزء من الليلة ، والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ، ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ، ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي .
وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال : قلت للشعبي : قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما كان ينزل عليه في سائر السنة ؟ قال : بلى .
ولكن جبريل كان يعارض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء .
ففي هذا إشارة إلى الحكمة في التقسيط الذي أشرت إليه لتفصيل ما ذكره من المحكم والمنسوخ .
ويؤيده أيضا الرواية الماضية في بدء الخلق بلفظ : " فيدارسه القرآن " فإن ظاهره أن كلا منهما كان يقرأ على الآخر ، وهي موافقة لقوله " يعارضه " فيستدعي ذلك زمانا زائدا على ما لو قرأ الواحد ، ولا يعارض ذلك قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى إذا قلنا : إن " لا " نافية كما هو المشهور وقول الأكثر ، لأن المعنى أنه إذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ، ومن جملة الإقراء مدارسة جبريل ، أو المراد أن المنفي بقوله : " فلا تنسى " النسيان الذي لا ذكر بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال ، حتى لو قدر أنه نسي شيئا فإنه يذكره إياه في الحال
و الله تعالى اعلم